سورة الإسراء - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)}
{وَلاَ تَقْفُ} ولا تتبع، وأصل معنى قفا اتبع قفاه ثم استعمل في مطلق الاتباع وصار حقيقة فيه. وقرئ {وَلاَ} بإثبات حرف العلة مع الجازم وهو شاذ، وقرئ أيضًا {تَأْوِيلًا وَلاَ تَقْفُ} بضم القاف وسكون الفاء كتقل على أنه أجوف مجزوم بالسكون وماضيه قاف يقال قاف أثره يقوفه إذا قصده واتبعه ومنه القيافة وأصلها ما يعلم من الإقدام وأثرها، وعن أبي عبيدة أن قاف مقلوب قفا كجذب وجبذ. وتعقب بأن الصحيح خلافه.
{مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أي لا تتبع ما لا علم لك به من قول أو فعل، وحاصله يرجع إلى النهي عن الحكم بما لا يكون معلومًا ويندرج في ذلك أمور. وكل من المفسرين اقتصر على شيء فقيل المراد نهي المشركين عن القول في الإلهيات والنبوات تقليدًا للإسلاف واتباعًا للهوى، وأخرج ابن جرير. وابن المنذر. عن محمد بن الحنفية أن المراد النهي عن شهادة الزور، وقيل: المراد النهي عن القذف ورمي المحصنين والمحصنات، ومن ذلك قول الكميت:
ولا أرمي البري بغير ذنب *** ولا اقفوا لحواصن أن رمينا
وروى البيهقي في شعب الإيمان. وأبو نعيم في الحلية من حديث معاذ بن أنس «من قفا مؤمنًا بما ليس فيه يريد شينه به حبسه الله تعالى على جسر جهنم حتى يخرج مما قال» وقيل: المراد النهي عن الكذب، أخرج ابن جرير وغيره عن قتادة أنه قال في الآية: لا تقل سمعت ولم تسمع ورأيت ولم تر، واختار الإمام العموم قال: إن اللفظ عام يتناول الكل فلا معنى للتقييد، واحتج بالآية نفاة القياس لأنه قفو للظن وحكم به. وأجيب بانهم أجمعوا على الحكم بالظن والعمل به في صور كثيرة فمن ذلك الثلاة على الميت ودفنه في مقابر المسلمين وتوريث المسلم منه بناء على أنه مسلم وهو مظنون والتوجه إلى القبلة في الصلاة وهو مبني على الاجتهاد بإمارات لا تفيد إلا الظن وأكل الذبيحة بناء على أنها دبيحة مسلم وهو مظمنون والشهادة فإنها ظنية وقيم المتلفات واروش الجنايات فإنها لا سبيل إليها الا الظن، ومن نظر ولو ؤخر العين رأى أن جميع الأعمال المعتبرة في الدنيا من الأسفار وطلب الأرباح والمعاملات إلى الآجل المخصوصة والاعتماد على صداقة الأصدقاء وعداوة الأعداء كلها مظنونة وقد قال صلى الله عليه وسلم: «نحن نحكم بالظاهر والله تعالى يتولى السرائر» فالنهي عن اتباع ما ليس بعلم قطعي مخصوص بالعقائد وبأن الظن قد يسمى علمًا كما في قوله تعالى: {إِذَا جَاءكُمُ المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أَعْلَمُ بإيمانهن فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مؤمنات فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكفار}
[الممتحنة: 10] فإن العلم بإيمانهن إنما يكون بإقرارهن وهو لا يفيد إلا الظن، وبأن الدليل القاطع لما دل على وجوب العمل بالقياس كان ذلك الدليل دليلًا على أنه متى حصل ظن أن حكم الله تعالى في هذه الصورة يساوي حكمه في محل النص فانتم مكلفون بالعلم على وفق ذلك الظن فههنا الظن واقع في طريق الحكم وأما ذلك الحكم فهو معلوم متيقن. وأجاب النفاة عن الأول بأن قوله تعالى: {لا تَقْفُ} الآية عام دخله التخصيص فيما يذكرون فيه العمل بالظن فيبقى العموم فيما وراءه على أن بين ما يذكرونه من الصور وبين محل النزاع فرقًا لأن الأحكام المتعلقة بالأول مختصة باشخاص معينين في أوقات معينة فالتنصيص على ذلك متعذر فاكتفى بالظن للضرورة بخلاف الثاني فإن الأحكام المثبتة بالأقيسة كلية معتبرة في وقائع كلية وهي مضبوطة والتنصيص عليها ممكن فلم يجز الاكتفاء فيها بالظن، وعن الثاني بأن المغايرة بين العلم والظن مما لا شبهة فيه ويدل عليها قوله تعالى: {هَلْ عِندَكُم مّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن} [الأنعام: 148] والمؤمن هو المقر وذلك الإقرار هو العلم فليس في الآية تسمية الظن علمًا، وعن الثالث بأنه إنما يتم لو ثبت حجية القياس بدليل قاطع وليس فليس، واحسن ما يمكن أن يقال في الجواب على ما قال الإمام أن التمسك بالآية تمسك بعام مخصوص وهو لا يفيد إلا الظن فلو دلت على أن التمسك بالظن غير جائز لدلت على أن التمسك بها غير جائز فالقول بحجيتها يفضي إلى نفيه وهو باطل، وللمجيب أن يقول: نعلم بالتواتر الظاهر من دين النبي صلى الله عليه وسلم أن التمسك بآيات القرآن حجة في الشريعة، ويمكن أن يجاب عن هذا بأن كون العام المخصوص حجة غير معلوم بالتواتر فتأمل {إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك} أي كل هذه الأعضاء وأشير إليها باولئك على القول بأنها مختصة بالعقلاء تنزيلًا لها منزلتهم لما كانت مسؤولة عن أحوالها شاهدة على أصحابها.
وقال بعضهم: إنها غالبة في العقلاء وجاءت لغيرهم من حيث أنها اسم جمع لذا وهو يعم القبيلين ومن ذلك قول جرير على ما رواه غير واحد:
ذم المنازل بعد منزلة اللوى *** والعيش بعد أولئك الأيام
وعلى هذا لا حاجة إلى التنزيل وارتكاب الاستعارة فيما تقدم {كَانَ عَنْهُ مَّسْئُولًا} كل الضمائر {كُلٌّ} أي كان كل من ذلك مسؤولًا عن نفسه فيقال له: هل استعملك صاحبك فيما خلقت له أم لا؟ وذلك بعد جعله أهلا للخطاب والسؤال. وجوز أن يكون ضمير {عَنْهُ} لكل وما عداه للقافي فهناك التفات إذ الظاهر كنت عنه مسؤولًا.
وقال الزمخشري: {عَنْهُ} نائب فاعل {مَسْؤُولًا} فهو مسند إليه ولا ضمير فيه نحو {غير المغضوب عليهم}.
ورده أبو البقاء وغيره بأن القائم مقام الفاعل حكمه حكمه في أنه لا يجوز تقدمه على عامله كأصله. وذكر أنه حكى ابن النحاس الإجماع على عدم جواز تقديم القائم مقام الفاعل إذا كان جارًا ومجرورًا فليس ذلك نظير {غير المغضوب عليهم} [الفاتحة: 7] ورده أبو البقاء وغيره بأن القائم مقام الفاعل حكمه حكمه في أنه لا يجوز تقدمه على عامله كأصله. وذكر أنه حكى ابن النحاس الإجماع على عدم جواز تقديم القائم مقام الفاعل إذا كان جارًا ومجرورًا فليس ذلك نظير {غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِمْ} وليس لقائل أن يقول: إنه على رأي الكوفيين في تجويزهم تقديم الفاعل إلا أن ينازع في صحة الحكاية، ونقل عن صاحب التقريب أنه إنما جاز تقديم {عَنْهُ} مع أنه فاعل لمحا لاصالة ظرفيته لا لعروض فاعليته ولأن الفاعل لا يتقدم لالتباسه بالمبتدأ والا التباس هاهنا ولأنه ليس بفاعل حقيقة اه. والانصاف أنه مع هذا لا يقال لما ذهب إليه شيخ العربية إنه غلط.
وذكر في شرح نحو المفتاح أنه مرتفع ضمر يفسره الظاهر، وجوز إخلاء المفسر عن الفاعل إذا لم يكن فعلا معللا باصالة الفعل في رفع الفاعل فلا يجوز خلوه عنه بخلاف اسمي الفاعل والمفعول تشبيهًا بالجوامد.
وتعقبه في الكشف بأن فيه نظرًا نقلًا وقياسا؛ أما الأول فلتفرده به، وأما الثاني فلأن الاحتياج إليه من حيث أنه إذا جرى على شيء لابد من عائد إليه ليرتبط به ويكون هو الذات القائم هو بها إن كان فاعلا أو لابسًا لتلك الذات وليس كالجوامد في ارتباطها بالسوابق بنفس الحمل لأنها لا تدل على معنى متعلق بذات فالوجه أن يقال حذف الجار واستتر الضمير بعده في الصفة، وقد سمعت عن قرب أن هذا من باب الحذف والإيصال وأنه شائع، وجوز أن يكون مرفوع {مَسْؤُولًا} المصدر وهو السؤال و{عَنْهُ} في محل النصب. وسأل ابن جنى أبا علي عن قولهم: فيك يرغب وقال لا يرتفع بما بعده فأين المرفوع؟ فقال: المصدر أي فيك يرغب الرغب عنى تفعل الرغبة كما في قولهم: يعطي، يمنع أي يفعل الإعطاء والمنع، وجوز أن يكون اسم كان أو فاعله ضمير {كُلٌّ} محذوف المضاف أي كان صاحبه عنه مسؤولًا أو كان عنه مسؤولًا صاحبه فيقال له لم استعملت السمع فيما لا يحل ولم صرفت البصر إلى كذا والفؤاد إلى كذا؟ وقرأ الجراح العقيلي {والفواد} بفتح الفاء وإبدال الهمزة واوًا، وتوجيهها أنه أبدلت الهمزة واوًا لوقوعها مع ضمة في المشهور ثم فتحت الفاء تخفيفًا وهي لغة في ذلك، ولا عبرة بإنكار أبي حاتم لها، واستدل بالآية على أن العبد يؤاخذ بفعل القلب كالتصميم على المعصية والأدواء القلبية كالحقد والحسد والعجب وغير ذلك نعم صرحوا بأن الهم بالمعصية من غير تصميم لا يؤاخذ به للخبر الصحيح في ذلك ثم إن اتباع الظن يكون كبيرة ويكون صغيرة حسب أنواعه وأصنافها ومنه ما هو أكبر الكبائر كما لا يخفى نسأل الله تعالى أن يعصمنا عن جميع ذلك.


{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37)}
{وَلاَ تَمْشِ فِى الارض مَرَحًا} أي فخرًا وكبرًا قاله قتادة، وقال الرغب: المرح شدة الفرح والتوسع فيه والأول أنسب، وهو مصدر وقع موقع الحال والكلام في مثله إذا وقع حالًا أو خبرًا أو صفة شائع، وجوز أن يكون منصوبًا على المصدرية لفعل محذوف أي تمرح مرحًا وأن يكون مفعولًا له أي لأجل المرح، وقرئ {مَرَحًا} بكسر الراء عن أنه صفة مسبهة ونصبه على الحالية لا غير، قيل وهذه القراءة باعتبار الحكم أبلغ من قراءة المصدر المفيد للمبالغة بجعله عين المرح نظير ما قيل في زيد عدل لأن الوصف واقع في حيز النهي الذي هو في معني النفي ونفي أصل الاتصاف أبلغ من نفي زيادته ومبالغته لأنه را يشعر ببقاء أصله في الجملة، وجعل المبالغة راجعة إلى النفي دون المنفى كما قيل في قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] بعيدهنا، والقول بأن الصفة المشبهة تدل على الثبوت فلا يقتضي نفي ذلك نفي أصله كما قيل في المصدر مغالطة نشأت من عدم معرفة معنى الثبوت في الصفة فإن المراد به أنه لا تدل على تجدد وحدوث لا انها تدل على الددوام. والأخفش فضل القراءة بالمصدر لما فيه من التأكيد ولم ينظر إلى أن ذلك في الإثبات لا في النفي وأما في حكمه. وأورد على ما قيل أن فيه تفضيل القراءة الشاذة على المتواترة وهو كما ترى.
ولذا فضل بعضهم القراءة بالمصدر كالأخفش وجعل المبالغة المستفادة منه راجعة إلى النهي ومنع كون ذلك بعيدًا، وقيل إذا جعل التقدير في المتواترة ذا مرح تتحد مع الشاذة. وتعقب بان ذا مرح أبلغ من مرحا صفة لما فيه من الدلالة على أنه صاحب مرح وملازم له كانه مالك إياه وفيه توقف كما لا يخفى، والتقييد بالأرض لا يصح أن يقال للاحتراز عن المشي في الهواء أو على الماء لأن هذا خارق ولا يحترز عنه بل للتذكير بالمبدأ والمعاد وهو أردع عن المشي مشية الفاخر المتكبر وادعى لقبول الموعظة كأنه قيل: لا تمش فيما هو عنصرك الغالب عليك الذي خلقت منه وإليه تعود والذي قد ضم من أمثالك كثيرًا مشية الفاخر المتكبر، وقيل للتنصيص على أن النهي عن المشي مرحًا في سائر البقع والأماكن لا يختص به أرض دون أرض، والأول ألطف.
{إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الارض} تعليل للنهي وقيه تهكم بالمختال أي إنك لن تقدر أن تجعل فيها خرقًا بدوسك وشدة وطاتك {وَلَن تَبْلُغَ الجبال} التي عليها {طُولًا} بتعاظمك ومدقامتك فاين أنت والتكبر عليها إذا التكبر إنما يكون بكثرة القوم وعظم الجثة وكلاهما مفقود فيك أوانك لن تقدر على ذلك فانت أضعف من كل واحد من هذين الجمادين فكيف يليق بك التكبر، وقال بعض المحققين: مآل النهي والتعليل لا تفعل ذلك فإنه لا جدوى فيه وهو وجه حسن، ونصب {طُولًا} على أنه تمييز، وجوز أن يكون مفعولًا له، وقيل: يشير كلام بعضهم إلى أنه منصوب على نزع الخافض وهو عنى التطاول أي لن تبلغ الجبال بتطاولك ولا يخفى بعده، وإيثار الاظهار على الإضمار حيث لم يقل لن تخرقها لزيادة الإيقاظ والتقريع، ثم إن الاختيال في المشي كبيرة كاتدل عليه الأحاديث الصحيحة وهذا فيما عدا بين الصفين أما بينهما فهو مباح لخبر صح فيه، ويكفي ما في الآية من التهكم والتقريع زاجرًا لمن اعتاده حيث لا يباح ككثير من الناس اليوم.
وفي الانتصاف قد حفظ الله تعالى عوام زماننا من هذه المشية وتورط قراؤنا وفقهاؤنا بينا أحدهم قد عرف مسألتين أو أجلس بين يديه طالبين أو نال طرفا من رياسة الدنيا إذ هو يمشي خيلاء ولا يرى أنه يطاول الجبال ولكن يرى أنه يحك بيافوخه عنان السماء كأنهم على هذه الآية لا يمرون أو يمرون عليها وهم عنها معرضون اه.
وإذا كان هذا حال قراء زمانه وفقهائه فماذا أقول أنا في قراء زماني وفقهائهم سوى لا كثر الله تعالى أمثالهم ولا ابتلانا بشيء من أفعالهم وجعلها أفعى لهم.


{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38)}
{كُلُّ ذلك} المذكور في تضاعيف الأوامر والنواهي السابقة من الخصال المنحلة إلى نيف وعشرين {كَانَ سَيّئُهُ} وهو ما نهى عنه منها من الجعل مع الله سبحانه إلهًا آخر وعبادة غيره تعالى والتأفيف والنهر والتبذير وجعل اليد مغلولة إلى العنق وبسطها كل البسط وقتل الأولاد خشية إملاق وقتل النفس التي حرم الله تعالى إلا بالحق وإسراف الولي في القتل وقفو ما ليس علوم والمشي في الأرض مرحًا فالإضافة لامية من إضافة البعض إلى الكل {عِنْدَ رَبّكَ مَكْرُوهًا} أي مبغضًا وإن كان مرادًا له تعالى بالإرادة التكوينية وإلا لما وقع كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم «ما شاء الله تعالى كان وما لم يشأ يكن» وغير ذلك، وليست هذه الإرادة مرادفة أو ملازمة للرضا ليلزم اجتماع الضدين الإرادة المذكورة والكراهة كما يزعمه المعتزلة، وهذا تتميم لتعليل الأمور المنهى عنها جميعًا، ووصف ذلك طلق الكراهة مع أن أكثره من الكبائر للإيذان بأن مجرد الكراهة عنده تعالى كافية في وجوب الكف عن ذلك، وتوجيه الإشارة إلى الكل ثم تعيين البعض دون توجيهها إليه ابتداء لما قيل: من أن البعض المذكور ليس ذكور حملة بل على وجه الاختلاط لنكتة اقتضته، وفيه إشعار بكون ما عداه مرضيًا عنده سبحانه وإنما لم يصرح بذلك إيذانًا بالغني عنه، وقيل اهتمامًا بشأن التنفير عن النواهي لما قالوا من أن التخلية أولى من التحلية ودرء المفاسد أهم من جلب الصالح، وجوز أن تكون الإضافة بيانية و{ذلك} إما إشارة إلى جميع ما تقدم ويؤخذ من المامورات أضدادها وهي منهى عنها كما في قوله تعالى: {أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وبالوالدين إِحْسَانًا} [الأنعام: 151] بعد قوله سبحانه: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 151] وإما إشارة إلى ما نهى عنه صريحًا فقط.
وقرأ الحجازيان والبصريان {سَيّئَةٌ} بفتح الهمزة وهاء التأنيث والنصب على أنه خبر كان، والإشارة إلى ما نهى عنه صريحًا وضمنا أو صريحًا فقط، و{مَكْرُوهًا} قيل بدل من {سَيّئَةٌ} والمطابقة بين البدل منه غير معتبرة.
وضعف بأن بدل المشتق قليل، وقيل: صفة {سَيّئَةٌ} محمولة على المعنى فإنها عنى سيئًا وقد قرئ به أو أن السيئة قد زال عنها معنى الوصفية وأجريت مجرى الجوامد فإنها عنى الذنب أو تجري الصفة على موصوف مذكر أي أمرًا مكروهًا، وقيل: إنه خبر لكان أيضًا ويجوز تعدد خبرها على الصحيح، وقيل: حال من المستكن في {كَانَ} أو في الظرف بناء على جعله صفة {سَيّئَةٌ} لا متعلقًا كروهًا فيستتر فيه ضميرها، والحال على هذا مؤكدة.
وأنت تعلم أن ضمير السيئة المستتر مؤنث فجعل مكروهًا حالًا منه كجعله صفة {سَيّئَةٌ} في الاحتجاج إلى التأويل. واضمار مذكرًا كما في قوله:
ولا أرض أبقل ابقالها ***
لا يخفى ما فيه. وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قرأ {شأنه}.

8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15